ثلاثة ثقافات تفاجئت بها عندما جئت إلى اليابان لأول مرة

4

منذ صغري و انا اسمع و اقرأ عن الثقافة اليابانية، و أول ما كان يجول في خاطري هو الحداثة والتكنولوجيا و الانمي و الطبيعة و غيرها من الأمور التي قد تجول في خاطر كل شخص لم يذهب لليابان من قبل، لكن عندما تذهب الى اليابان و تتعايش مع هذه الثقافة تصبح الأمور التي سمعتها و قراءتها شيء جديد عليك، لذلك سأقدم لكم في هذا المقال عن تجربتي مع الثقافة اليابانية. 

 

ثقافة العمل الجماعي والشعور بالمسؤولية

عندما كنت اسمع عن مدى جدية اليابانيون في العمل و شعورهم بالمسؤولية، دائماً يجول في فكري الاشخاص الذين يعملون في الشركات و المؤسسات و غيرها من الدوائر، و كنت دائماً اسأل نفسي كيف يتم زرع هذه القيم في هذه الفئة؟ 

 

خلال اقامتي في اليابان زرت احدى المدارس اليابانية الابتدائية في مدينة أوكازاكي و التي كانت تربطنا معها مشروع ثقافي بين تلاميذ هذه المدرسة و تلاميذ المدرسة التي اعمل بها، و كان هذا اليوم ليس يوم عادي يتم به اعطاء الدروس او ماشابه، بل كان يوم المسابقة التي يشارك بها عدد من المدارس اليابانية.

 

خلال مشاهدتي للعروض الترفيهية التي قدمها التلاميذ و المباريات التي خاضوها، والتي كانت مبنية على مجموعات وليس أفراد لاحظت أن من يقوم على الاشراف و التنظيم هم التلاميذ أنفسهم فقد كان من يقوم بأعلان المباراة، تلميذتان و المعلمة جالسة في الوسط و من يقوم بتضميد التلاميذ المصابين بالخدوش في أيديهم هم مجموعة من التلاميذ، و من يسجل الاصابات فهم مجموعة من التلاميذ، و من يقوم بتخطيط و ترتيب الساحة هم ايضاً تلاميذ، لدرجة انني شعرت بعدم وجود أي معلم.

 

على الرغم من الشمس الحارة جداً الا ان التلاميذ الذين يقعون على الأرض و يصابون بخدوش كثيرة كانوا يذهبون لكي يضمدون جروحهم ثم يعودون ليقوموا بأكمال الادوار المكلفين بيها و لم اسمع طفلاً بكى او أشتكى فكل منهم كان يعمل بكل جهد من أجل فريقه.

 

أن ما أثار دهشتي حقاً، هو قيام التلاميذ بإكمال واجباتهم المدرسية في المدرسة بعد انتهاء المسابقة و التي انتهت تقريباً بعد الساعة الثانية ظهراً، فضلاً عن وجود طفلين يقومان بالاعتناء بالنباتات في الساحة، كل هذا جعلني أندهش و أعجب بهم كثيراً.

 

 

و من الامور التي ايضا ادهشتني عند زيارتي لأحدى المدارس الثانوية اليابانية مع زملائي الذين من دول آخرى و غير عربية، تفاجأت بمدى الإحساس بالمسؤولية وروح إثبات الذات لدى الطلاب، ناهيك عن هدوئهم، فقد كان لديهم امتحان للغة الانجليزية و بعد اكمال المعلمة من توزيع الأسئلة أخبرتهم بأنها سوف تذهب و تعود في الحال، و بعد ذهاب المعلمة، كل من الطلاب بدء يقوم بكتابة الاجوبة في ورقته بدون ان ينظر في كتاب ما او النظر في ورقة الذي في جانبه، حتى انني لم اسمع اي صوت همس بينهم، كأن همهم الوحيد هو اختبار مدى معرفتهم وليس الحصول على درجات ممتازة، مما جعلني جداً اتفاجئ و أسال في نفسي “هل هذا في اليابان فقط؟ ” فسألت زملائي”هل الطلاب في بلادكم نفس الشيء؟” فأجابوني بـ “لا”.

 

كل هذه الأمور التي رأيتها جعلتني أستنتج كيف وأين يتم زرع روح العمل الجماعي و الشعور بالمسؤولية، فكما ذكرت كيف تلاميذ الابتدائية كانوا يعملون كفريق ،حتى عندما يمشون في خط مستقيم تشعر كأنهم شخص واحد، لقد أعجبني مدى تعاون هؤلاء التلاميذ الصغار و مدى مسؤولية و حرص طلاب الثانوية.

 

لقد سألت أحد المعلمين في المدرسة الثانوية عن كيفية ألتزم الطلاب بالهدوء و المسؤولية، فأجابني بكل بساطة “هذه هي الثقافة اليابانية” مما جعلني أتساءل عن اساس و تاريخ نشأة هذه الثقافة لأن هذه الثقافة ليست موجودة فقط في المدرسة بل موجودة في البيت ايضاً لكن يبقى سؤالي “من إين اصل منبعها؟” 

 

ثقافة الحفاظ على الطبيعة و احترام القوانين

أن من الأمور التي لاحظتها عند زيارتي لليابان هي، مدى أهتمام اليابانيون بالطبيعة و المحافظة على الأشجار. فعند زيارتي لمبنى طوكيو الحكومي الذي يسمى(طوكيو توتشو) والذي يقدم منظر بانورامي جداً جميل و مدهش لمدينة طوكيو من الاعلى، لاحظت عند مشاهدتي لمدينة طوكيو من أعلى البرج، وجود بقعة خضراء تشبه الغابة في وسط جميع هذه الابنية الحديثة، حيث أعطت هذه الغابة الصغيرة لمدينة طوكيو التي تملؤها المباني، منظراً يستحق التأمل فيه.

 

لقد أطلعت أساتذتي و أصدقائي اليابانيين على ما رأيت و سألتهم عن مدى أهمية الحفاظ على الطبيعة لدى اليابانيين، فأجابوا “أن اليابانيون يحبون الغابات و الحدائق و يهتمون بها، و كذلك كثرة الابنية التي قللت من الاشجار جعل المساحة الخضراء قليلة، لذلك فهي مهمة جداً في داخل المدن، كما تعتبر الغابات منزل الإله الذي تحميه الغابات الجميلة “. أن اليابان لا تخلو من اللون الأخضر الذي يبعث الراحة لكل من يشاهده. 

 

 

من ناحية احترام القوانين ربما تجول في أذهاننا، القضايا القانونية المتعارف عليها، لكن ما أقصده هو أن هنالك قوانين تتعايش في المجتمع الياباني، منها احترام دور الآخرين، فلكل يحترم دور الآخر ولا يقوم شخص بأخذ دور أحد إلا اذ سمح له الشخص بأخذ مكانه أو دوره كأن يكونوا في القطار او في المحلات عند دفع النقود الى المحاسب او في اي مكان يحتاج إلى أن يصفو به الناس، كما لا يحق لأي شخص بأن يتناول الطعام أو الشراب في إي مكان توجد فيه علامة ممنوع الاكل والشرب، سواء كان في داخل القطار أو غيرها من الأماكن.

 

أضافة  ايضا من الامور الغريبة التي عرفتها عن اليابان هو أنه لا توجد حاويات للنفايات، فلكل ملزم بأخذ كل شيء يريد أن يرميه معه الى البيت و رميه في حاويات المنزل و لا يجوز رميه في الشارع. 

 

 

ثقافة حب التميز و التطور

أن المجتمع الياباني، مجتمع يحب أن يكون مميز و متطور و أن تكون له أمور تميزه عن البلدان الاخرى، فرغم تطور البلدان و وجود الحداثة والتكنولوجيا فيها، إلا أن الحداثة و التطور في اليابان لا يختلف لكنه مميز، فعلى سبيل المثال القطارات و محطات القطار موجودة في العديد من الدول، إلا أن محطات القطار و القطارات اليابانية متميزة جداً فتوجد قطارات التي تحتوي على صور و تصاميم أنمي معين، او تصميمها الداخلي يكون جداً مميز عن القطارات العادية، ناهيك عن جمال بوابات بعض المحطات.

 

و حسب سؤالي الى الكثير من اصدقائي الاجانب عن القطارات الموجودة في بلادهم و القطارات في اليابان، فكلهم يقولون ان القطارات اليابانية هي الأفضل. من الأمور التي احببتها في القطارات اليابانية، هي وجود أماكن مخصصة فقط لكبار السن والمرأة الحامل و ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلاً عن وجود عربة خاصة فقط للنساء في القطار.

 

 

 

 مثلما يوجد آلات البيع الذاتي و التي أصبحت لا تقتصر على بيع المشروبات فقط وإنما على بيع المثلجات ايضاً، يوجد في اليابان آلات تسمى “جي دوسه سانكي” و التي يمكن أن نسميها بـ آلات الدفع الذاتي، التي يدفع من خلالها الفواتير أو توجد في المحلات و الاسواق الكبيرة لدفع المواد دون الحاجة لدفعها عند البائع، لكن في اليابان توجد أنواع مختلفة من هذه الآلات و كل واحدة منها مختصة بشيء معين.

 

ففي السينما ستجد آلة بيع التذاكر و التي تستطيع من خلالها اختيار الفيلم الذي تريد مشاهدته و معرفة في اي يوم و وقت يعرض، و حجز المقعد ثم دفع ثمن التذكرة دون الحاجة للذهاب الى الكاشير، فضلاً عن وجود آلة الدفع الخاصة لأماكن وقف الدراجات والسيارات، وغيرها من ال “جي دوسه سانكي”. 

 

 

 

ملخص هذه المقالة

عند زيارتي لليابان بدأت أستوعب ماذا تعنيه جملة “كوكب اليابان”. على الرغم من بقائي في اليابان لمدة و احتكاكي بالمجتمع الياباني الا انني مازلت اشعر بالفضول والرغبة في معرفة الكثير عن الثقافة اليابانية، فهي ثقافة جداً جميلة و متنوعة، كما أن الشعب الياباني شعباً متواضع و طيب. 

 

اتمنى ان تستمتعوا بقراءة المقالة و ان تأخذوا فكرة مفيدة عن الثقافة اليابانية، و انا متأكدة عند زيارتكم لليابان ستكتشفون الكثير عن الثقافة اليابانية و المجتمع الياباني.

4 تعليقات
  1. Shehab S . Khanji يقول

    ووجود ثلاثة ثقافات في اليابان لا يعني وجود اختلافات جوهرية هذا الاحتلاف لبس تقص تً ضعف عند الشعب الياح بل يعطيه قوة اد وحود الاحترام المتبادل بين الثفافانت يقوي الروابط بين هذه الثقافات المتعددة كما ان من خصائص الشعب المنحضر هو احترام الثقافات الاخري كما انسجام الثقافات في اليابان يسهم في نطوير اليابان اد ممكن منظوركل ثقافة لمعالجة المشكلات يمكن ان يعطي حلول مختلفة وعميقة تسهم في حل المشكلات وتطوير اليابان ولعل هذا من اسباب تطور اليابان الانسجام والتوافق بين الثقافات المتعددة

    1. فاطمة يقول

      شكراً جزيلا لك على رسالتك الجميلة! نحن سعداء بحبك للثقافة في اليابان. كما قلت متابعنا العزيز لابد من احترام ثقافات الجميع والتعرف عليها من أجل حياة جميلة سالمة ومتطورة. واليابان كما قلت تحب التعرف على ثقافات جديدة، ونحن في هذا المشروع هدفنا هو بناء جسر يربط اليابان بالعالم العربي. سنبذل جهدنا!

  2. عادل يقول

    جميل

    1. فاطمة يقول

      شكراً جزيلاً لك، نحن سعداء

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط