تعتبر الحدائق اليابانية من أجمل الحدائق التي تتفرد بطابع خاص يجمع بين جماليات التنسيق الطبيعي والتنسيق الهندسي في تصميم مبدع تحاكي معظمها الثقافة اليابانية بما فيها فن العمارة والعقيدة الدينية حيث تكون الحديقة ملحقة بالمعابد والأضرحة الدينية البوذية ومعتقدات “الشنتو” الديانة الأصلية لليابان.
تتميز الحدائق اليابانية بطراز خاص في دقة جمالية التصميم فهي بمثابة وثيقة تاريخية هامة لتقوية والحفاظ على ذاكرة المجتمع وهويته الثقافية المتراكمة فهي تعد من أكثر الموارد التراثية والثقافية ثراء ورقيا فهي انعكاس لخصائص الفترات والعصور التي تشكلت فيها ومرآة للتوجهات السياسية والمعتقدات الفردية ونتاجات فنية وابداعية اختلفت باختلاف الأزمنة والأفكار وذلك تم تأهيلها والحفاظ عليها لتكون مقصدا سياحيا جاذبا للزوار سوى على المستوى المحلي أو الدولي.
فالقيمة الحقيقية لوجود الحدائق ليس فقط لتحسين الظروف البيئية ولتجميل المدن بقدر ما تؤديه من دور اجتماعي هام يتمثل في خلق أجواء هادئة تبعث طاقة إيجابية للاسترخاء بشكل طبيعي فهي مكان مثالي ومناسب لقضاء الأوقات الممتعة تُعدّ متنفَّسًا للأُسَر التي تعيش في بيئات المدن الصناعيّة، لذلك من الأفضل توفير بيئة مثاليّة فيها ووضع اللمسات اللازمة التي تجعل الحديقة مَلاذًا آمنًا للأطفال والعائلات.
فالحدائق اليابانية لا تقتصر على المساحات المحدودة داخل إطار الحديقة إذ يتم تصميمها بتناغم مع البيئة التي تحيط بها خاصة في فصل الربيع الذي يتميز بتفتح الزهور الجميلة التي ترسم أروع اللوحات الطبيعية، ومن أشهر أنواع الأزهار التي تنبت في اليابان أزهار الكرز الخلابة أو كما يسميها اليابانيون “ساكورا”. ومن هنا سنتعرف على ثلاث حدائق كبرى في عاصمة اليابان طوكيو: “هاماريكيو”، “ريكوجيان” و “كويشيكاوا كوراكوان”.
هاماريكيو
حديقة هاماريكيو من أحد حدائق طوكيو الجميلة وتعني “حدائق قصر الشاطئ هدية الامبراطور”. يعود تاريخها إلى القرن السابع عشر. وقد تم افتتاحها في عام 1946م وهي حديقة ومنتزه موجودة بوسط طوكيو في حي “شيودومي” قرب نهر “سوميدا” في خليج طوكيو. وفيما مضى كانت مركز لممارسة صيد البط للأمراء العسكريين في فترة “إيدو” (1603-1868).
تتميز حديقة هاماريكيو بمناظرها الخلابة حيث يمكنك الاستمتاع بطبيعتها الملونة وتعتبر من أجمل الحدائق الخضراء المحاطة بخندق مائي بحري تحتل مساحته 250,215 مترًا مربعًا يغذيه خليج طوكيو حيث تعد من أجمل أماكن السياحة في اليابان يمنحها طليعة خاصة، ومظهرًا طبيعياً، يمكنك أن تلتقط بجواره العديد من الصور التذكارية.
شهدت الحديقة عدة إصلاحات مما يجعلها واجهة لرحلة ترفيهية للسكان اليابانيين من جهة عامة وواجهة خاصة للزوار السياح، حيث يمكنك بداية الوصول للحديقة عبر رحلة بحرية في الباص المائي الذي يتحرك كل ساعة في جولة بحرية تستغرق نصف ساعة.
وتعد الحديقة من أكثر الحدائق جاذبية للزوار بسبب توافر عدة أنشطة بها من بينها عرض الصقر الياباني. كما تمثل الحديقة مكانًا للاحتفالات الرسمية، والسنوية التي تقديمها البلاد للتعريف بالثقافة اليابانية، إضافة الى بعض الأنشطة الخاصة التي تقدمها لزوارها. كما يمكن ممارسة بعض الأنشطة الرياضية والحركية بالاستمتاع بجولة سيرًا على الأقدام حول “بركة شيويري” التي تقع في وسط الحديقة مما يمكنك من قضاء وقت مميز.
وتتميز حديقة هاماريكيو بإطلالات جذابة عند السير بالقرب من الجسر ويمكنك مشاهدة ناطحات السحاب التي تضيف جمالية للمكان. كما يمكن ملاحظة شجرة الصنوبر التي يصل عمرها أكثر من 300 سنة فهي تمثل جزء من تاريخ تلك الحديقة. كما تحتضن الحديقة أنواع متعددة من الأزهار يوجد بها حوالي 60 نوع منها ما تُسمى بزهرة “الفاوانيا” التي تتميز بتنوع الالوان التي تحتوي على مناظر ومشاهد جميلة وتظم عناصر التشويق والاثارة لخلق جو مريح وملاءم لأداء عملية الاستراحة.
ويمكنك اخذ استراحة بعد التجول في حديقة هاماريكيو بالدخول إلى مقهى الذي يقدم الشاي التقليدي الياباني مع حلويات اليابانية التقليدية المتميزة بمذاق رائع والمطل على البحيرة.
ريكوجيان
هي حديقة يابانية تقليدية تم تصنيفها لتصبح من أهم المواقع التاريخية الخاصة وهي واحدة من مناطق الجذب الرئيسية في طوكيو.
تعتبر واحدة من أجمل الحدائق وتمثل جانبًا مهمًا من الفن الياباني. أنشأها محارب الساموراي “يوشياسو ياناغيساوا” هذه الحديقة عام 1702م وهي مُصممة لتحاكي طراز حقبة “إيدو” العريقة وصُنِفت حديقة ريكوجيان منذ عام 1953م باعتبارها إحدى البقاع الطبيعية فائقة الجمال.
تقع الحديقة في شمال شرق طوكيو يترجم اسم “ريكوجيان” حرفيا حديقة القواعد الستة ويشير إلى القواعد الأساسية الستة لشعر الياباني التقليدي “واكا” قصائد شعرية وصفت جمال الطبيعة.
ما يميز حديقة ريكوجيان ويعطيها شعبية كبيرة موسم تفتح أزهار الكرز وموسم تساقُط أوراق الشجر في فصل الخريف عندما تتزين الحديقة بألوان الموسمية الزاهية وبسحرية التصميم فكيفية تنسيق باستخدام النباتات المتقزمة والقصيرة والصغيرة النمو المفترشة، حيث يتوافد السكان المحليون والأجانب للاستمتاع بمشاهدة تغير ألوان الحديقة والمشاركة في أداء طقوس. وتنظم الحديقة عروض من بينها موسم عروض الإضاءة حيث يمكنك زيارتها ليلا للتمتع بالمناظر المذهلة والرائعة.
كما يمكن ملاحظة وجود قطع من الأحجار مختلفة الاشكال صغيرة وكبيرة، مختلفة الألوان حمراء أو زرقاء أو بيضاء فأشكال الصخور تعكس مجاري المياه مع تنسيق الأشجار بشكل متتالي واحدة تلوى الأخرى أو بصورة انفرادية وستلاحظ ملصقات على الأشجار يتم فيها تحديد عمر كل شجرة.
وفي قلب الحديقة، توجد بركة رائعة تلتف حولها مسارات التنزه التي تنقلك بين أرجاء الحديقة، وتتميز معظم مسارات التنزه في تلك الحديقة بأنها مسطحة نوعًا ما، وهو ما يتيح للزوار من جميع الأعمار والظروف الصحية فرصة لا مثيل لها للاستمتاع بجمال اليابان الطبيعي.
كما يمكنك العبور فوق جسر “توجيتسوكيو”، وهو جسر حجري يرتكز على صخرتين عملاقتين يتوقف عنده الزوار للتمتع بجمال الطبيعة، واستنشاق الهواء المنعش ومراقبة الأسماك الشبوط وهي تسبح في البركة. تصنع الجسور من الخشب أو البامبو أو حتى من الصخور. تتخذ أشكال منحنية، دائرية على شكل أقواس، وفي بعض الأحيان تكون متعرجة، يجب أن تتناغم دائما مع طبيعة المكان.
عندما ترغب في استراحة قصيرة، يمكنك زيارة بيت الشاي” فوكياجي تشيايا” لتناول شاي “ماتشيا” اللذيذ (الشاي الأخضر) والحلوى اليابانية بينما تستمتع بإطلالة خلابة على البركة التي تتوسط الحديقة. ومن بين الخيارات الأخرى المميزة بيت الشاي “تاكيمي نو تشيايا” الواقع في الجانب الجنوبي الغربي من الحديقة، وبيت الشاي “تسوتسوجي تشيايا” الواقع على الجانب الشمالي منها.
كويشيكاوا كوراكوان
هي حدائق مع المشتل يعود تاريخ الحدائق إلى عام 1629م. تم تسمية الحديقة “كوراكوين” بعد قصيدة تشجيع حاكم يستلذ المتعة فقط بعد تحقيق السعادة لشعبه. تقع الحديقة في “بونكيوكو”، على مساحة 70,847 متراً وتم تشيدها تحت قيادة “شوغون توكوغاوا”. يمكن الوصول إليها سيراً على الأقدام من محطة “ايداباشي”.
تستنسخ حديقة كويشيكاوا كوراكوان المناظر الطبيعية اليابانية والصينية باستخدام البرك والحجارة والنباتات وانشاء التلال الاصطناعية. في وسط الحديقة توجد بحيرة رائعة تُحيط بها ممرات تسمح للزائرين بالتحرك والمشى بارتياح، كما تضم مجموعة متنوعة من النباتات والأشجار الملونة ذات الأشكال الهندسية الرائعة ما يجعلها وجهة مميزة طوال العام.
في فصل الربيع عندما تتفتح أزهار الكرز، وفي فصل الخريف أيضًا عندما تكسوها أوراق أشجار القيقب يتوافد عليها الكثير من الزوار المحليين والسياح أيضا لالتقاط الصور والتمتع بالمناظر الطبيعية الجميلة.
للحديقة شعبية كبيرة نظراً لجاذبيتها على مدار العام خلال شهر نوفمبر وديسمبر وهو موسم سقوط أوراق الخريف يتم زراعة أشجار القيقب حول البرك الثلاثة في الحديقة التي تتحول إلى ظلال نابضة بالحياة من اللون البرتقالي والأحمر.
وفي منتصف فبراير يكون موسم البرقوق وحتى شهر مارس وخلال موسم تفتح زهرة شجرة الكرز الذي عادة ما يحدث في أواخر مارس وأوائل أبريل ويتميز العديد من تزهر المبكر لأشجار الكرز حول بوابة مدخل الحديقة. ويمكن أيضا العثور على حقل الأرز نحو الجزء الخلفي من الحديقة.
كما تتميز الحديقة بجسر تم تسميته “أنجيتسوكيو” الذي تنعكس صورته على صفحة الماء ليبدو وكأنه قمر مكتمل.
الخلاصة
للتعبير عن الحدائق لا يمكن أن نكتفي بكلمات قليلة لأنّ الحدائق بمختلف أشكالها وأماكنها تحتاج إلى مجلّداتٍ كثيرة للتحدث عن طرق تصميمها وأهميتها فهي مثل قارورة العطر التي تُلطّف الأجواء وتُشكل نقاط جذبٍ سياحيّة لمختلف الأشخاص من الداخل والخارج، خصوصًا أنّ الحدائق بشكلٍ عام منسقة تنسيق جميل مما يبرز جمالية المنظر الطبيعي خصوصًا أنّ أهمية الحدائق لا تقتصر على كونها تكثّف جمالَ المكان، فهي تقدّم الكثير من الخدمات الماديّة والمعنويّة كالعلامات الارشادية تشمل الخدمات التي توجه الزوار حول كيفية استخدام المكان ومعلومات عن أسعار الدخول وساعات العمل والخرائط وتطبيقات على الهواتف المحمولة للشرح مع وجود الحراس والمرشدين كما توفر خدمات تنقل داخل الموقع كخدمات لغير القادرين مقاعد متحركة لذوي الإعاقة أجهزة الاتصالات ودورات المياه… فعند زيارتك لهذه الحدائق هنا بعض الأفكار من شأنها أن تساعدك عند التفكير في اختيار تصميم حديقة منزلك على الطراز الياباني.
