فنون تقديم شاي الياباني “سادو”

0

تعد اليابان واحدة من أكبر دول العالم تقدما خاصة على المستوى التكنولوجي والعلمي الذي ساهم في تطور الاقتصاد الياباني. وفي ظل هذا التقدم حافظ الشعب الياباني في نفس الوقت على ثقافته منذ العصور القديمة التي تتميز بالتنوع والثراء.

 

تعتبر العادات والتقاليد في اليابان أحد أهم الأشياء التي لا يمكن للشعب التخلي عنها لأنها تعكس طبيعة المجتمع الياباني ونوعية الثقافة الخاصة به في العديد من نواحي الحياة مثل عادات التحية، تقاليد اللباس، وفنون تقديم الشاي … وغيرها من العادات والتقاليد العامة، التي تعتبر أفضل طريقة للتعبير عن ثقافة الضيافة في اليابان وللاستمرار هذه العادات عمد اليابانيون على نقلها إلى الأجيال اللاحقة.

 

وفي هذا المقال اخترنا التحدث عن فنون تقديم شاي الياباني “سادو”.

 

مفهوم سادو

“سادو” أو ما تسمى ” تشادو” ويعني طريق الشاي أو حفل الشاي، طريقة خاصة لإعداد وتحضير الشاي الأخضر المجفف في اليابان. تعتمد طريقة تقديم الشاي على مجموعة من الطقوس والشعائر وتعد عملية تقديمه واحدة من أجمل وأغرب التقاليد اليابانية المتعلقة بتناول الشاي باعتباره فن يتميز بآداب التقديم.

 

 

يطلق اليابانيون أيضا أسماء عديدة على الشاي منها ” أوتشا“، “ماتشا”… في حين يطلق على فن تقديمه باسم “تشياكاي” ويقدم إلى جانب الشاي الحلويات اليابانية لموازنة الطعم المر للشاي.

 

 

تعتبر هذه الطقوس من أهم الهوايات المحببة في اليابان والذي يحظى بإقبال كبير الآن حول العالم باعتباره فن ياباني عريق وراقي. يتلقى بعض اليابانيين المهتمين بهذا الفن الراقي بأخذ دروس خصوصية في سادو ويتم تطبيق طقوس تقديم الشاي في غرفة خاصة ذات طابع تقليدي ياباني وتتواجد هذه الغرف في بعض المعاهد الثقافية في حين يخصص بعض الأشخاص غرفة خاصة في بيوتهم لهذا الغرض.

 

 

بالنسبة لليابانيين تعتبر طريقة فن تقديم شاي سادو تتجاوز فكرة شرب الشاي، ولكنها تتعلق بالجمال، وتحضير وعاء من الشاي من القلب حتى يكشف المرء جوهر سادو فتحضير الشاي في هذا الحفل يعني جلب انتباها متزايدا هناك قواعد تحكم كل خطوة من خطوات حفل الشاي يتوجب على الذي يؤديها حفظها عن ظهر قلب، فيقدم مضيف الحفل الشاي لضيوفه بالاعتماد على حركات دقيقة باليد ويهتم حتى بموضع أواني الشاي والزهور والغرفة والرفوف خصوصاً للضيوف الرئيسيين الذين يطلق عليهم اسم “شوكياكو”. تعود هذه الطقوس بالأساس إلى تعاليم وفكر ومذهب “زن” الذي يعد أحد مذاهب الديانة البوذية.

 

تاريخ سادو

استمدت اليابان ثقافة الشاي من الصين في حوالي القرن الثامن بعد التلاقح الثقافي بين كلتا البلدين في القرن الثاني عشر سافر “ميوان أيساي”، كاهن ياباني، إلى الصين لدراسة الفلسفة والدين. عندما عاد، أصبح مؤسس البوذية “زن” وبنى المعبد الأول لطائفة “رينزاي”.

 

يُقال إنه كان أول من قام بزراعة الشاي للأغراض الدينية، بخلاف الآخرين من قبله الذين يزرعون الشاي للاستخدام الطبي فقط. كما أنه كان أول من اقترح ويعلم طحن أوراق الشاي قبل إضافة الماء الساخن. في القرن الثالث عشر اصبحت طقوس تقديم الشاي تحظى بشعبية كبيرة بين عائلات الساموراي الذين اعتنقوا دين البوذية زن.

 

 

في قرن الخامس عشر قام معلم السادو “موراتا جوكو” تأسيس أسلوب جديد في تقديم الشاي يعرف ب “وابيتشا” (شاي في كوخ متواضع مسقف بالقش) وهو ما يعتمد على التواصل الروحي بين الضيوف ومضيف الحفل. وبدأت شعائر وطقوس تحضير الشاي تتطور شيئا فشيئا، خاصة “وابي” أو “سابي” وتعني النقاء الهادئ والاحترام بين المضيف والضيوف مع معلم السادو “سين نو ريكيو” الذي يعتبر أشهر شخصية في تاريخ الشاي الياباني وقام بتحديد قواعد دقيقة ومبادئ صارمة التي يجب تطبيقها في حفل الشاي.

 

كما صمم سين نو ريكيو غرفة تقديم الشاي أو كوخ الشاي بطريقة تتماشى مع فنون تقديم الشاي فأضاف إليها (حصائر “تاتامي”، فناجين خاصة لتقديم الشاي الأخضر التي تعرف بتشاوان وتجهيز حديقة غرفة الشاي تُسمى “روجي” لتصبح شبيهة بحدائق المعابد) أن طريقة تنظيم الغرفة لغاية التأثير في الضيوف وجعلهم يشعرون براحة نفسية.

 

 

 واستمرت تعاليم تطبيق فنون الشاي التي طورها المعلم سين نو ريكيو إلى عصرنا هذا ويتم تعليم هذه الفنون في ثلاث مدارس: مدرسة أوموتي-سينكي، مدرسة أورا-سينكي ومدرسة موشانوكوجي-سينكي.

 

طريقة سادو

تختلف إجراءات تقديم فنون الشاي سادو قليلا حسب كل مدرسة. يقوم الضيوف بخلع الأحذية عند دخولهم إلى غرفة الانتظار في بيت الشاي ثم يستقبلهم المضيف الذي يرتدي الزي التقليدي الياباني “الكيمونو” ويرحب بهم بانحناءة صامتة. فيقوم الضيوف بغسل أيديهم وأفواههم في حوض حجري ثم يدخلون إلى غرفة مفروشة بحصير تاتامي.

 

 

بمجرد جلوس الضيوف يتقدم خبير فنون الشاي بغسل الأواني بطريقة دقيقة ويضع الأواني في مواقع محددة. ثم يشرع بإعداد الشاي وهنا تختلف طريقة إعداد سادو في الصيف وفي الشتاء ولتحضير الفحم خلال حفل الشاي الياباني يتأكد مضيف الحفل من حرارة الماء ثم يضع غلاية على نار الفحم مع الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة لطريقة التحضير ولهذه الطقوس نوعان: الأولى تُجرى قبل تناول الضيوف وجبة يابانية تقليدية “كايسيكي”، والثانية بعد تناول الضيوف الشاي الثقيل ثم يقدم الشاي بالكثير من العمق الروحي والصمت العميق والسكينة.

 

 

 يستلم الضيوف الشاي باليد اليمنى ويضعه على اليد اليسرى وعلى الضيف أن يرفع كاس الشاي كعلامة لاحترام خبير فن الشاي ويقوم بتدويره قليلا وعدم الشرب من أمام الكاس ويقوم بأخذ رشفة ثم تمرير نفس الكاس إلى الضيف التالي مع إعادة نفس العملية وفي أثناء ذلك يتم تقديم بعض الحلويات مع مدح مضيف الشاي والتعليق على جمال المكان وحرفية الإعداد والأدوات المستخدمة في الحفل وفي الأثناء يتم سكب الشراب النهائي في وعاء ثم يتم تسليمه إلى الضيف الأول والأهم. 

 

تستغرق مدة شرب الشاي من أربعة إلى خمس ساعات.

 

الملخص

كل خطوة من حفل الشاي الياباني لها معنى أعمق وجماليات تعود إلى مئات السنين فهذه السلسلة من الحركات الصارمة والدقيقة في تقديم الشاي وحسن ترحيب “أوموتاناشي” بمعنى الرعاية والاهتمام بالضيوف تحظى بتقدير الزائرين لذلك أصبح فن سادو العريق والراقي يحظى بتقدير كبير وشعبية متزايدة لدى الأجانب للرغبة في تذوق الشاي الياباني والحلويات التقليدية اليابانية إضافة يمكن ارتداء فيها الكيمونو الزي التقليدي الياباني و اخذ الصور التذكارية، كما أن هناك بعض الأماكن السياحية في اليابان كمدينة “كيوتو” و”كاماكورا”… التي يمكن اخذ فيها دورات تعليمية سادو والتي تستقبل الكثير من السياح الأجانب وأصبح العاملين فيها يوفرون أشخاص متحدثين باللغة الإنجليزية والصينية لمساعدة السياح الأجانب.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط