ماذا يُقصد بـ”كوجيكي” مصدر الأساطير اليابانية؟ نُقدم لكم شرح عام عن أشهر الأساطير اليابانية وكنوزها المقدسة!

0

الأساطير اليابانية هي مجموعة من القصص التقليدية والحكايات الشعبية والمعتقدات التي ظهرت في جزر الأرخبيل الياباني، ويمتزج بها معتقدات الديانات الشنتوية والبوذية. وتتناول هذه الأساطير نشأة الأرخبيل الياباني، وقصص الآلهة والآلهات مثل أماتيراسو وإيزانامي، والتي تم تناقلها في جميع أنحاء اليابان منذ العصور القديمة.

 

وكما ذكرت هذه الأساطير في قصصها ثلاثة أنواع من الكنوز المقدسة التي ظهرت في اليابان. وتتمثل إحدى السمات البارزة في الأساطير اليابانية في تفسيرها لأصل العائلة الإمبراطورية، والتي تم استعمالها تاريخياً لربط الألوهية بالسلالة الإمبراطورية.

 

ويتم تناقل هذه الأساطير في ثلاثة مصادر قديمة وأصيلة، وهي مجلدات “كوجيكي”، و”نيهون شوكي”، و”فودوكي”. وفي هذه المقالة سأقدم لكم مجلدات كوجيكي وبعض من أهم قصصها، وبعدها سنكتشف معاً كيف ظهرت تلك الكنوز المقدسة في الأساطير اليابانية.

 

ماذا يُقصد بـ”كوجيكي”

كوجيكي هو أقدم مجلد يتحدث عن شرعية الإمبراطور وأصل الحكم القومي في اليابان، وعن نشأة الكون وتكون جزر الأرخبيل الياباني والعديد من الأساطير عن الآلهات. ولكن كيف تم تجميعه وكتابته؟ يُذكر أنه في حرب جينشين، وهو أكبر صراع على خلافة العرش الإمبراطوري في التاريخ الياباني القديم، أطاح الأمير أوأما بأخيه الأكبر، وهكذا استمر في الحكم باسم الإمبراطور “تينمو”.

 

فبدأ الأمير تينمو ببناء دولة جديدة، وأمر بإعداد سجل قومي لتاريخ البلاد بأكملها، فنتج عن ذلك سجل “كوجيكي” و”نيهون شوكي”. وفي عام 712 قام “أو نو ياسومارو” بتجميع سجلات كوجيكي وتقدميه للامبراطورة السابقة غيميه. 

 

وبعد ثماني سنوات، أصبح يُنظر إلي كوجيكي على أنه سجل مقدس وطني باعتباره سجل تاريخي يصف الآلهة منذ العصور القديمة، هذا إلى جانب سجل “نيهون شوكي” الذي تم تجميعه في السنة الرابعة من يورو 720. وفي العصر الحديث، أصبح يُطلق عليهم بشكل جماعي اسم “كيكي” أي سجلات كوجيكي ونيهون شوكي معاً.

 

ولكن إذا أردنا مقارنة سجل “كوجيكي” مع سجل “نيهون شوكي”، فهما يقومان على ذكر الأساطير والحكايات والحقائق. ولكن يوجد بعض الاختلافات في محتويات كلا السجلين، مثل سرد الأساطير والأحداث.

 

صورة تعبيرية عن كوجيكي

 

لماذا تضم الأساطير اليابانية قصص عن آلهة متعددة

في الواقع إن الأساطير اليابانية عريقة جداً، وتحوي قصصاً بمواضيع وحبكات مثيرة للقراءة. ولكن قد يستغرب البعض من وجود مواضيع الآلهة بكثرة في الأساطير اليابانية. ولكن في الأصل لماذا تم صنع هذا السجل؟ حسناً السبب الرئيسي وراء السجل هو رغبة الحكام في تدوين سجلات تاريخية قومية لتثبيت دعائم دولتهم الجديدة، وأيضاً لتوجيه بلادهم نحو مرحلة جديدة. 

 

فيبدو أن فكرة إنشاء سجل تاريخي حقيقي كانت مهمة لإضفاء الشرعية على موقف الإمبراطورية اليابانية. وبالتأكيد ستكون حقيقة التاريخ مكتوبة وفق معايير الحاكم. ولهذا وجد الأمير شوتوكو والإمبراطور تينمو أنه من الضروري إعداد سجل تاريخي حكومي يستمر للأجيال التالية، وفعلاً إن السجلان المهمان “كوجيكي” و”نيهون شوكي” موجودان حتى يومنا هذا.

 

وكما نلاحظ وجود الكثير من أساطير الآلهة في اليابان، ولكن ما هي الأهمية التي تكمن وراء هذه الأساطير؟ هذه الأساطير مهمة للغاية بالنسبة لكل من قام بنقلها إلى الأجيال التالية، فهم يعتبرونها حقائق تصف ما حدث في الماضي وتتناسب في حكمها وقواعدها مع حياة الناس وأفكارهم وطرق عيشهم.

 

وإذا أردنا إعطاء فكرة عامة عن سجل كوجيكي، فهو باختصار يحتوي على كيفية هبوط نسل الآلهة العليا أماتيراسو من السماء ليحكموا الدولة اليابانية. ومع ذلك هذا الموضوع وحده لن يرضي جميع سكان اليابان الذين كانوا يعبدون آلهتهم الخاصة ويعيشون تبعاً لأساطير مختلفة، ولذلك لم يكتفي السجل بذكر آلهة أماتيراسو باعتبارها آلهة واحدة ذات سلطة مطلقة، ولكن بدلاً من ذلك تم ذكر مجموعة من آلهة الأسلاف وآلهة محلية شهيرة أو غير معروفة وكذلك العديد من الأساطير التقليدية عنهم. 

 

ومع ذلك يبدو أن أكثر الآلهة جذباً للانتباه في السجل هي “ايزاناغي وإيزانامي” والإله سوسانو وغيرهم، أما باقي أنواع الآلهة تم إدراجها لإرضاء الناس في الأرخبيل الياباني.

 

وكما نلاحظ غالباً ما يتم تصوير الآلهة التي يتم التحدث بها في الأساطير اليابانية في شكل إنساني للغاية. حيث يتم إظهار قوتها العظيمة التي لا يملكها الإنسان، والتي توظفها في فعل الخير، وفي نفس الوقت يتم إظهار جانب أخر سيء لهذه الآلهة. وبهذه الطريقة يستطيع القارئ قراءة القصص وهو يشعر بالقرب وبتقبل شخصيات تلك الآلهة.

 

رسوم توضيحية من نوع “تشيبي” تمثل تخيل شكل الآلهة اليابانية بأسلوب حر

 

أسطورة نشأة الكون

وهي من أهم الأساطير التي يحتوي عليها سجل كوجيكي. حيث يذكر بأن آلهة السماء أمرت الإلهين “إيزاناغي” و”إيزانامي” بالوقوف على جسر السماء العائم لتدوير مياه البحر باستعمال الرمح السماوي المرصع بالجواهر. وعندما رفعا الرمح تحول الملح المتساقط من طرفه إلى جزيرة تُدعى “أونوغوروشيما”.

 

فنزل كلا الإلهين إلى الجزيرة ليصبحا أول زوجين في التاريخ. ولكن لأن الإلهة إيزانامي هي من أقدمت على الخطوة الأولى في التقدم، فأنجبت الطفل “هيروكو” والذي كان مشوها بلا أطراف ولا جلد ولا يرغب به أحد، فقامت هي وزوجها بوضعه في قارب من القصب وتركاه يبحر بعيداً في البحر.

 

وعندما سأل إيزاناغي وإيزانامي الآلهة الكبيرة عن سبب ولادة ابنهما بهذا الشكل، فقالت الآلهة لأنكما لم تقيما مراسم الاتحاد بشكل صحيح، فلابد أن يتقدم الذكر دائماً قبل الأنثى. 

 

وما إن اتبعا رأي الآلهة الكبيرة حتى وُلد لهما الكثير من الأولاد وشكلوا العديد من الجزر بالتتالي. ومن بين هذه الجزر، كان هناك ثمانية جزر مجتمعة تم تسميتها “أوياشيماغوني” ويعني “الدولة العظيمة المكونة من ثمانية جزر”، حيث كان عدد “ثمانية” وسيلة للتعبير عن “الكثرة” في ذلك الوقت.

 

ثم أصبحت أوياشيماغوني اسماً آخر لليابان في ظل نظام ريتسوريو. وبهذه الطريقة تم تكوين العالم وفقاً للاسطورة.

 

الكنوز الثلاثة المقدسة في الأساطير اليابانية

وفقاً للأساطير اليابانية كما رأينا قام إيزاناغي وإيزانامي بخلق العالم من خلال إنشاء العديد من الجزر والآلهة التي تحكم الجزر. ومن بين الآلهة التي أنجبوها هي “أماتيراسو، تسوكويومي، سوسانو”. وقد كان إيزاناغي سعيداً جدا بميلاد هذه الآلهة الثلاثة، فأمر أماتيراسو بأن تحكم المرتفعات، أما تسوكويومي أن يحكم الليل، وسوسانو يحكم البحر.

 

وبعدها يجري الكثير من الأحداث التي تؤدي إلى ظهور الكنوز الثلاثة المقدسة، وهي كالتالي:

 

ظهور السيف وماجاتاما في الأساطير اليابانية

في مرحلة “ضفة نهر السماء” يظهر سيف وماجاتاما، كما ذُكر في الأساطير اليابانية في الأحداث التي جرت بعد أن حكمت أماتيراسو السماوات. وفي ذات يوم، توقف الإله سوسانو خلال رحلته في مكان يُدعى تاكاتينبارا لمقابلة شقيقته أماتيراسوا. ساسنو المعروف في الأصل بأنه حر ويتصرف كما يشاء، معرفة أنه قادم جعل أماتيراسو تشُك في أنه قد أتى لسرقة السماوات.

 

ولذلك، من أجل إزالة الشكوك تعهد سوسانو بإعلانه قول الحقيقة باستعمال ممتلكات بعضهما البعض في حالة حدوث شيء ما. وبهذا التعهد كانت ممتلكاتهما هي “السيف” و”ماجاتاما”.

 

* “ماجاتاما” هي عبارة عن قطعة منحنية على شكل “رمز فاصلة الكتابة” ظهرت في اليابان في نهاية فترة جومون وخلال فترة كوفون، أي قبل حوالي 1000 قبل الميلاد.

 

صورة توضح شكل الكنوز المقدسة “مرآة، جاتاما، سيف” في الأساطير اليابانية باستعمال التخيل الحر

 

متى ظهرت المرآة في الأساطير اليابانية؟

من خلال التعهد استطاع سوسانو إزالة الشكوك عن محاولته في الاستيلاء على المرتفعات. ومع ذلك، عندما ذهب الإلهين إلى المرتفعات، وقعت أماتيراسو في حب شقيقها الأصغر سوسانو . فقام بتخبئتها في “امانو إيواتو” ويعني حرفياً “كهف الصخور السماوي”.

 

وبمجرد أن تم إخفاء أماتيراسو في الكهف، أصبحت السماوات سوداء اللون وكانت الآلهة الأخرى في مأزق. ففكرت الآلهة في استراتيجية لإخراج أماتيراسو. في الواقع، تختلف تفاصيل الاستراتيجية التي فكرت بها الآلهة حسب السجلات اليابانية، لكن النقاط المشتركة هي كما يلي. 

 

صنعت الآلهة في البداية الخرز والمرايا وعلقوها على الشجرة. وقاموا بتحريك هذه الزينة وجعلوا الأجواء حيوية حتى تستطيع أماتيراسو المختبئة في الكهف سماع ما يجري في الخارج. تساءلت أماتيراسو باستغراب ” لماذا الجو في الخارج يبدو حيوي، مع أنه يجب أن يكون مظلم!” فحاولت إخراج رأسها قليلاً لرؤية مايحدث، فقامت الآلهة بتوجيه المرآة لعكس وجه أماتيراسو، فعندما رأت أماتيراسو وجهها المنعكس، فانتابها الفضول لمعرفة ماهو ذلك الشيء، فنجحوا في إخراجها بمجرد انحنائها للخارج. 

 

عندما خرجت أماتيراسو من الكهف، رجع الضوء إلى العالم. وقامت الآلهة بوضع ختم مقدس عليه حتى لاتتمكن أماتيراسو من العودة للاختباء.

 

صورة توضح زينة الشجرة بالتخيل الحر

 

أسطورة سيف كوساناجي وياماتا نو أوروتشي

بعدما خرجت أماتيراسو من الكهف، تم معاقبة سوسانو بإبعاده عن السماوات وهبط على الأرض. وبينما كان يبحث عن مكان مثالي ليمكث فيه، وجد رجل عجوز وامرأة عجوزة يبكيان على ابنتهم الوحيدة. فسألهم سوسانو عن سبب بكائهم، فقال العجوزان: “كان لدينا ثماني بنات، ولكن في كل عام يأتي ياماتا نو أوروتشي في وقت محدد ويأكلهن واحدة تلو الأخرى. وابنة هذا العام هي الأخيرة، نشعر بالحزن لأن ابنتنا كوشيناداهيمي ستؤكل أيضاً”.

 

*ياماتا نو أوروتشي وهو ثعبان متوحش يمتلك ثمانية رؤوس وثمانية ذيول، ويقال إنه مخيف جداً لدرجة أنه ينشر الرعب والهلع بمجرد سماع صوته.

 

وبعد التفكير، قال سوسانو “إذا اعطيتموني كوشيناداهيمي، فسوف أتخلص من ياماتا نو أوروتشي”، وطلب من العجوزان أن يُعدا ساكي بمفعول قوي “مشروب كحولي”. وثم قاموا ببناء سياج دائري حول المنزل، ووضعوا فيه ثمان بوابات وعند كل بوابة تم وضع الخمر القوي.

 

أخيراً وصل ياماتا نو أوروتشي وفعلاً لم يستطيع الدخول على الفور، ولكنه عندما وجد ثماني بوابات فحاول الدخول عبرها، وأثناء محاولته في الدخول وجد كمية كبيرة من الساكي الذي أعداه العجوزان، فشربه ونام على الفور.

 

في تلك الأثناء، هجم سوسانو بسيفه على ذلك الوحش، وقطع جسده السكير. وعندما اقترب من الذيل، شعر بشيء قوي صلب اصطدم بطرف سيفه، فنظر بتمعن ليخرج سيف من الذيل الممزق.

 

هناك العديد من النظريات حول اسم هذا السيف. وإحدى النظريات تقول أن سوسانو عهد بهذا السيف الغامض إلى أماتيراسو، كهدية للمصالحة معها. وأصبح يُعرف لاحقاً باسم “كوساناجي”. وبعدها قيل أنه تم حكم البلد الأوسط أشيهارا.

 

الأسطورة اليابانية تينسون كورين “أحفاد السماء”

حكم أحفاد سوسانو البلد الأوسط لأشيهارا لفترة طويلة، ولكن في عهد أوكونينوشي قدموا البلاد لأماتيراسو. فقررت أماتيراسو إرسال حفيدها “نينيجينو ميكوتو” في وسط مدينة أشيهارا لحكم البلاد. وأعطته ثلاثة أنواع من الكنوز المقدسة وأمرته قائلةً “فكر في أن هذه المرآة هي أنا وأعبدها”. 

 

الكنوز الثلاثة التي استملها “نينيجينو ميكوتو”هي (جوهرة قلادة أماتيراسو “ماجاتاما”، وسيف سوسانو، ومرآة ياتا التي أخرجت الضوء من الكهف). وعندما هبط “نينيجينو ميكوتو” في وسط أشيهارا بنى قصراً مذهلاً يصل إلى السماء وحكم البلاد.

 

وبعدها تم تسليم الأنواع الثلاثة من الكنوز المقدسة لأولئك الذين خلفوا العرش، وهي تعتبر دليلاً للنسب الإمبراطوري.

 

وبناءً على التقليد الذي قدمته أماتيراسو في هذه المرحلة، “التفكير في المرآة على أنها هي وعبادتها”، تعيش الآلهة والناس تحت سقف واحد بسلام. وبقيت المرآة في القصر الإمبراطوري حتى وقت معين، حيث يقال إنها موجودة في ضريح إيسه الكبير.

 

وهكذا نجد من هذه الأساطير، أن العلاقة بين الإمبراطور والأنواع الثلاثة من الكنوز المقدسة عميقة، ومع ذلك فإن الأشكال الفعلية للأنواع الثلاثة من الكنوز المقدسة لا تزال غير واضحة جيداً وهي محاطة بالغموض.

 

الخلاصة:

في هذه المقالة تعرفنا على سجلات “كوجيكي” التاريخية وعلى بعض من أفكارها المحورية وقصصها المشهورة والرئيسية، وكما تتبعنا ظهور “الكنوز الثلاثة المقدسة” في الأساطير اليابانية. فعند الحديث عن السيوف التي تم نقلها من العصور القديمة، فإن “سيف كوساناجي” أحد الكنوز المقدسة الثلاثة الموروثة كعلامة على العرش، ويحظى بشهرة كبيرة في الأساطير اليابانية.

 

وكما لاحظنا يتم توارث الكنوز الثلاثة عند خلافة العرش، وكما تم ذكرهم أيضاً في سجلات “نيهون شوكي” ولكن قد تختلف بعض الأحداث والقصص عن سجلات “كوجيكي” ومع ذلك القصص تقريباً مشتركة من ناحية الكنوز المقدسة. 

 

فكما نرى لكل أمة لها أساطيرها الخاصة التي كانت ذات يوم جزءاً أساسياً من الحياة، وكثير من الناس سمع عن بعض الأساطير سواء في الأفلام أو في دروس  وكتب الأدب. وهنا نجد أن الأجداد والأسلاف في اليابان شكلوا الجزر اليابانية ومجتمعاتها المحلية وفقاً لمفاهيمهم، ومهما تقدم الزمن فإنهم حافظوا على نقل الأساطير والقصص لنا التي من خلالها يمكننا اكتشاف الكثير عن التاريخ الياباني العريق عن ومعتقداتهم في الماضي. وأشكركم على القراءة.

بدون تعليقات
  1. […] (مرآة وجوهرة وسيف). ووفقًا لأقدم نص في اليابان في سجلات “كوجيكي” (712 م) فإن هذه الكنوز تنتمي إلى الآلهة أماتيراسو، التي […]

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط