نُقدم لكم تاريخ صناعة الحرير الياباني وبعض المواقع التاريخية لإنتاج الحرير!

0

هل سبق وتساءلتم من أين ازدهرت صناعة الحرير وكيف وصلت إلى العالم أجمع؟ يبدو أن لكل دولة تاريخ خاص ومميز في صناعة الحرير. وفي هذه المقالة سنركز على بداية تاريخ الحرير في اليابان وكيف تطورت طرق انتاجه واستعماله لتصبح اليابان أكبر مصدر للحرير في العالم منذ بداية فترة “مييجي”.

 

كما سنتعرف على مواقع تاريخية مشهورة لإنتاج الحرير في اليابان. لنبدأ جولتنا في تاريخ حرير اليابان!

 

ماذا يُقصد بالحرير؟

يُعد الحرير من أشهر وأغلى الأقمشة المصنوعة في العالم، وهو عبارة عن ألياف بروتينية طبيعية وناعمة تنتجها دودة القز وقابلة للنسج على شكل منسوجات. ويعد العمل في مجالات إنتاج الحرير من الأنشطة الاقتصادية الزراعية الصناعية التي تحقق عائد كبير ومهم للبلاد على مدار التاريخ. وعادةً تمر صناعة الحرير بمرحلتين رئيسيتين: 

 

المرحلة الأولى: هي مرحلة زراعة أشجار التوت من أجل إنتاج وتربية ديدان القز بغرض إنتاج الحرير. 

المرحلة الثانية: هي مرحلة إنتاج البيض الذي يتحول إلى يرقات ثم ديدان تنتج الحرير الطبيعي.

 

هذا بالتأكيد إلى جانب العديد من الخطوات الدقيقة التي يتم اتباعها لإنتاج حرير ناعم وفاخر. وفي اليابان كان للحرير تاريخ طويل في تقدمه وتطور صناعته سنتتبعه تالياً.

 

 

تاريخ الحرير في اليابان

يقال إن تربية دودة القز بدأت في الصين منذ حوالي 5000 عام حيث بدأ إنتاج المنسوجات الحريرية الفاخرة. كان الحرير الصيني يُعرف بجودته المثالية ولم يكن يرتديه سوى أصحاب الطبقات العالية وكانت طرق تربية دودة القز وإنتاج الحرير سرية للغاية ولم يصل لمتناول عامة الناس إلا بعد زمن طويل.

 

وبعد فترة من الزمن قامت الصين بالتجارة بتقديم الحرير لاحقاً إلى الأرستقراطيين الأوروبيين عبر “طريق الحرير” المشهور، وهو عبارة عن مجموعة من الطرق المترابطة كانت تسلكها القوافل والسفن فتمر عبر جنوب آسيا رابطةً الصين مع “أنطاكية” في تركيا بالإضافة إلى مواقع أخرى مثل كوريا واليابان.

 

بداية الحرير الياباني

ليس من الواضح متى تم إدخال الحرير إلى اليابان ولكن يُعتقد أن الأقمشة الحريرية المنسوجة العادية التي تم التنقيب عنها تعود إلى فترة “يايوي” قبل تاريخ صنع طريق الحرير.

 

ونظراً لأن خيوط الحرير المُستخرجة من الآثار مختلفة عن المنسوجات الصينية، فمن المفترض أن اليابان كان لديها بالفعل تقنياتها الخاصة بإنتاج الحرير وصنعه، وأيضاً تقنيات الصبغة القديمة.

 

وبشكل أساسي ساهم ازدياد عدد المهاجرين القادمين من البر الرئيسي للصين وشبه الجزيرة الكورية منذ وقت إصلاح “تايكا” 645 م في نقل تقنيات متقدمة متعلقة بالحرير إلى اليابان. مثل تقديم أنواع دودة القز الصينية، وطرق تربية دودة القز، وصنع الحرير، والصباغة والنسيج والخ، حيث انتشرت هذه الطرق في جميع أنحاء اليابان. 

 

خاصةً وجود شجرة التوت بكثرة في أراضي اليابان والذي يعد غذاء أساسي لدودة القز ساهم في إنتاج الحرير، حيث تطورت وتشكلت مناطق مختلفة لإنتاج الحرير.

 

ولكن كانت جودة الحرير الياباني أقل بكثير من جودة الحرير الصيني فاستمر استيراد كميات كبيرة من الحرير الخام من الصين.

 

 

اليابان وتربية دودة القز في فترة إيدو

في فترة “إيدو” كانت اليابان مستورداً مستمراً للحرير، فنظراً لأن اليابانيين يحبون الحرير، فقد استمروا في الشراء من أسرة “تشينغ” وهي الصين حالياً. فكان الحرير هو العنصر الأكثر استيراداً، ومع ذلك كانت عائلة شوغونية تشعر بالقلق حيث كانت تعتقد أن البلاد قد تمر بأزمة اقتصادية إذا تم دفع الكثير من الذهب والفضة كثمن لسلع الحرير. 

 

ومن هنا بدأ التركيز على تربية دودة القز وانتاج لفائف الحرير باتباع تقنيات دقيقة وعالية، مما أدى إلى ارتفاع جودة الحرير وازدهاره في أماكن مختلفة في اليابان، وتم بيع خيوط خام عالية الجودة إلى العاصمة القديمة كيوتو. وأصبحت “خيوط نوبوسي” نسيجاً من الدرجة العالية في “نيشيجين” في كيوتو.

 

كما تم معالجة وتصنيع الشرانق التي لا يمكن تحويلها إلى خيوط خام إلى قطن ليتم حياكتها وبيعها في المدينة لتوليد دخل نقدي قيم.

 

 

فترة مييجي وارتفاع طلب الأجانب على الغزل الياباني الخام

في نهاية عهد “توكوغاوا” 1603- 1868 انتشر مرض بين دودات القز في أوروبا وتوفيت عدد هائل منهم قبل التمكن من صنع الشرانق فنفد الحرير الخام. أما الصين فلم تكن قادرة على تربية دودة القز بشكل كافٍ بسبب حرب الأفيون. ولذلك ركزت الدول الأجنبية على الغزل الياباني الخام. 

 

وعندما فتحت الموانئ اليابانية التجارة مع الدول الغربية في فترة مييجي بدأت حملة تصدير خيوط الحرير الخام للتجار الأجانب عام 1890 حيث كان يُعتبر الخيط الخام هو ركيزة الاقتصاد.

 

كان لدى اليابان في ذلك الوقت تقنية تربية دودة القز وتقنيات إنتاج الحرير عالية الدقة منتشرة في جميع أنحاء البلاد، وكان يتم صنع منتجات الحرير الخام باستعمال المنتجات الموجودة في اليابان فقط.

 

لذلك كانت منتجات اليابان موثوقة وتحظى بطلب عالٍ، إلا أن جودة الخيوط الخام المنتجة تفاوتت في أماكن مختلفة. بمعنى أنه لم يكن هناك معيار موحد لليابان.

 

ولذلك كان من الضروري وبشكل عاجل اتخاذ تدابير لإنتاج خيوط خام عالية الجودة ومتجانسة، فتم بناء مصنع “توميوكا” للحرير كمصنع نموذجي فتم الترحيب بالعمال الأجانب المعينين من فرنسا براتب مرتفع بشكل استثنائي، وقاموا بتدريب المهندسين بتقنيات إنتاج الحرير على الطريقة الفرنسية. 

 

وبهذا أصبحت هذه الألياف الطبيعية العمود الفقري للاقتصاد الياباني حيث تمثل ما يصل إلى 80 في المائة من إجمالي صادرات اليابان. في الواقع أثرت تقنيات تربية ولف دودة القز في اليابان بشكل كبير على صناعة الحرير في العالم.

 

 

بعض من أشهر مواقع إنتاج الحرير في اليابان

 

١. مصنع الحرير توميوكا: موقع تراث عالمي يعود تاريخه إلى 150 عاماً

 

 

ازدياد الطلب العالمي على حرير اليابان دفعها إلى إنشاء مصنع يُدعى “توميوكا للحرير” عام 1872 باستعمال أحدث التقنيات من جميع أنحاء العالم، حيث تم تجهيز المصنع من خلال استيراد آلات غزل الحرير على النمط الغربي من أوروبا. وفي نفس الوقت تم تطوير الآلات لتناسب المناخ الياباني، وبهذا تقدمت تقنية غزل الحرير الياباني بشكل ملحوظ.

 

كما تم تعيين القائد الفرنسي “بول برونات” لتلقي المشورة بشأن مفهوم تصميم المصنع، وإدخال التكنولوجيا، ومراقبة الجودة والتوظيف إلخ. وتم توظيف الكثير من اليابانيين من مختلف أنحاء اليابان للعمل والتعلم في المصنع، ولعب موظفي المصنع دور كبير في تطوير بكرة الحرير.

 

وعندما تم افتتاح المصنع لأول مرة عام 1872 كان هناك 300 جهاز بكرة مستوردة من فرنسا. ومع ذلك عامل الجذب الرئيسي هو معمل الدوار الذي تم بناؤه باستخدام البناء المبني من الطوب الخشبي، كما تم إنشاء آلة أوتوماتيكية للف الحرير في نفس المعمل عام 1952.

 

ومع ذلك تم بيع المصنع للقطاع الخاص في منتصف فترة مييجي في عام 1893، وتم تشغيله أخيراً عام 1939 بواسطة شركة “كاتاكورا إندستريز” والتي كانت مصنع الحرير الأولى في اليابان. وفي النهاية أصبح المصنع موقعاً للتراث العالمي في عام 2014 نظراً لأهميته التاريخية وبنائه.

 

 

 

٢. منشأة أرافوني للتخزين البارد في شيمونيتا: ثلاجة طبيعية لبيض دودة القز

 

مخزن “أرافوني” البارد وهو بمثابة ثلاجة طبيعية لصناعة الحرير خلال أوائل القرن العشرين. حيث تم تبريد بيض دودة القز هناك لمنعه من الفقس مما يسمح بإنتاج الحرير عدة مرات في السنة بدلاً من مرة واحدة فقط. وقد تم إنشاء هذا المخزن عندما دعت الحاجة لإنتاج المزيد من الحرير في اليابان، ففقس بيض دودة القز مرة واحدة في العام لم يكن كافي. فتم التوصل لفكرة منشآت التخزين الباردة.

 

ويقع مخزن أرافوني البارد في الجبال النائية والغابات بالقرب من مصنع توميوكا، وهو أكبر كهف للرياح في محافظة “غونما”. حيث يمكن تخزين أكثر من مليون صينية من بيض دودة القز لمنتجي الحرير من جميع أنحاء اليابان.

 

ويتم الحفاظ على البيض عن طريق الرياح التي تمر عبر شقوق الصخور المليئة بالثلوج المتراكمة خلال فصل الشتاء فينتج هواء بارد. وحتى في فصل الصيف عندما تزيد درجة الحرارة الخارجية عن 20 درجة مئوية تظل درجة الحرارة في المخزن البارد أعلى من درجة التجمد ببضع درجات.

 

وقد مكن هذا من زيادة عدد “محاصيل” دودة القز التي يتم إنتاجها كل عام مما ساهمت هذه الطريقة بشكل كبير في زيادة إنتاج شرانق الحرير الخام لتلبية الطلب المتزايد باستمرار.

 

وفي الماضي كان مخزن أرافوني يتكون من ثلاث منشآت تخزين كبيرة تشبه المستودعات فوق كهف الرياح. وكل منشأة تتميز برفوف مدمجة في الجدران المغطاة بالطين حيث يمكن تخزين بيض دودة القز في صناديق خشبية. وللأسف لم تصمد هذه المنشآت أمام الزمن، حيث لا يمكننا سوى رؤية الأساسات المتبقية منها.

 

 

 

٣. مدرسة تاكاياماشا لتربية دودة القز في فوجيوكا: تدريب لأفضل مربي دودة القز في اليابان

 

تأسست مدرسة “تاكاياماشا” لتربية دودة القز عام 1884 كمعهد بحثي وتعليمي لمصانع دودة القز. ورئيسها يُدعى “تشوجورو تاكاياما” الذي بحث عن أفضل الطرق لتربية ديدان القز وطور طريقة “سيأون إيكو” (Seion’iku) وهي طريقة تجمع في تربية دودة القز بين طريقة “تاجيما سيريوإيكو” التي ركزت على التهوية الفعالة، وطريقة “أوندان إيكو” التي ركزت على تدفئة منشأة التكاثر.

 

رحبت المدرسة بالطلاب الجدد وساهمت بشكل كبير في تطور مصانع تربية دودة القز. كما غطت المدرسة بسخاء تكاليف تعليم الطلاب ومعيشتهم. وأتاحت لمن يعيشون في المزارع الفقيرة فرصة التعرف على تربية دودة القز.

 

تعتبر مدرسة تاكاياماشا من مواقع التراث العالمي الأخرى التي تحافظ على العديد من مرافق تكاثر دودة القز، ولذلك تعتبر مكان مناسب للاستكشاف والتعلم.

 

 

٤. متحف كاتاكورا للحرير التذكاري في كوماغايا: تعرف على كيفية صنع الحرير

 

أصبحت تربية وتكاثر دودة القز التي كانت يوماً ما صناعة رئيسية في جميع أنحاء اليابان، نادرة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة. فتم إنشاء متحف “كاتاكورا” للحرير التذكاري بواسطة شركة “كاتاكورا إندستريز” وهي المالك الخاص لمصنع حرير توميوكا. 

 

يمكن للزوار مشاهدة المعدات المستخدمة في تربية دودة القز أثناء التعرف على عملية إنتاج الحرير. المتحف مليء بالعروض والدلائل والوثائق التي تشرح كل ما يتعلق بالحرير. بزيارة هذا المتحف يمكنكم تعميق فهمكم لصناعة الحرير وحياة الناس الذين عملوا في المصانع في الماضي.

 

الخلاصة:

في هذه المقالة تعرفنا على تاريخ تطور إنتاج الحرير في اليابان ومواقع مهمة وتاريخية في إنتاج الحرير. حيث تم استعمال الحرير بشكل أساسي في الملابس اليابانية التقليدية مثل الكيمونو وقطعه المكملة وغيرها من ملابس واستعمالات.

 

أما بالنسبة للمواقع التاريخية لإنتاج الحرير في اليابان فمازال هناك الكثير، وهذه المواقع مفتوحة أمام الزوار لذا يمكنكم زيارتها خلال زيارتكم لليابان إذا كنتم مهتمين بالتعرف أكثر على تاريخ الحرير في اليابان. أتمنى أن المقالة كانت ممتعة وأشكركم على القراءة.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط