لماذا يرتدي اليابانيون الأقنعة بشكل شائع؟ نُقدم لكم ثقافة الأقنعة في اليابان وتاريخها!

0

كثير من الناس تعتقد أن اليابانيين يرتدون أقنعة الوجه “الكمامة” من أجل الوقاية من الجراثيم والأمراض الأخرى. ولكن في الواقع هذا ليس السبب الوحيد وراء ارتداء اليابانيين للأقنعة، حيث يوجد العديد من الأسباب المنتشرة والتي قد تفاجئكم بعضها. فكما نرى يبدو أن هذه الأقنعة هي السمة المميزة للنظافة اليابانية التي لا تتوقف أبداً عن إثارة فضول الأجانب، وتلهم الكثير منا.

 

وفي هذه المقالة سنتعرف معاً على تاريخ انتشار ثقافة ارتداء الأقنعة وأسباب ارتدائها في اليابان. لنبدأ معاً جولتنا في ثقافة اليابان!

 

تاريخ انتشار ارتداء القناع “الكمامة” في اليابان

نظراً لأن القناع في اللغة اليابانية “ماسكُ” (マスク) هي كلمة مستعارة في الأصل من اللغة الإنجليزية (Mask) ولا يوجد مرادف حرفي لها، فهذا يعني أنه لم يكن في اليابان ثقافة ارتداء القناع لتغطية الفم والأنف. فنظراً لأن اليابان كانت معزولة لفترة طويلة فمن المحتم أن الأقنعة تم استيرادها خلال وبعد فترة “مييجي” (1868-1912م).

 

ويمكن تقسيم الغرض الرئيسي للأقنعة في ذلك الوقت إلى قسمين. الأول للاستعمال المهني والعمل، والثاني للاستعمال الخاص والاستعمال المنزلي. وفي الأصل كان الاستعمال الشائع هو للوقاية من الغبار في المصانع ومواقع التعدين، ولكن لم تكن الأقنعة منتشر لعامة الناس. 

 

ومع ذلك نظراً لتفشي الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918 والتي كانت تُعتبر أخطر كارثة في زمن السلم في اليابان من حيث عدد الأشخاص الذين ماتوا بسبب المرض. فتم استيراد كمية كبيرة من الأقنعة وتم بيعها في الأسواق بشكل كبير للوقاية من تلك الانفلونزا. فطبيعة هذا المرض شديد العدوى دفع الشعب الياباني إلى ارتداء أقنعة الوجه كمسألة حياة أو موت.

 

وعلى الرغم من توافر الأدوية المضادة للفيروسات واللقاحات لمكافحة الإنفلونزا، فقد استمر اليابانيون في ارتداء الأقنعة كإجراء احترازي لتطور بعدها أسباب أخرى شجعت اليابانيين على ارتداء الأقنعة كروتين طبيعي. فعاماً بعد عام زاد الطلب على الأقنعة بشكل كبير حتى بعد زلزال كانتو العظيم عام 1923. وبهذا تطورت ثقافة ارتداء الأقنعة التي نراها تغطي نصف وجه اليابانيين بشكل شبه يومي.

 

ويجب أن نتذكر أيضاً أن اليابان وخاصةً طوكيو هي مدينة مكتظة بالسكان. فتخيلوا أنكم محشورين في مدينة واحدة بها 13.952 مليون شخص، أي حوالي 6359 شخص لكل كيلومتر مربع! فمع تكدس الكثير من الأشخاص في منطقة واحدة فإن الشخص يصبح عرضة للإصابة بشيء ما بكل سهولة.

 

ففي هذه الحالات فإن القناع يعمل كحاجز واقٍ مادي من أي بكتيريا مسببة للأمراض تأتي من البصاق أو العطس أو المخاط أو الجراثيم أو أي من تلك الأشياء السيئة التي قد نتعامل معها طوال حياتنا اليومية.

 

وبهذا نجد أن عدد كبير من اليابانيين يرتدون الأقنعة بشكل شبه يومي خاصةً في الجو البارد، وفي المناطق المزدحمة بشكل كبير وواضح.

 

 

أسباب ارتداء الأقنعة في اليابان

 

 

١. ارتداء القناع للوقاية من الحساسية

 

في فصل الربيع في اليابان عندما تتفتح الأزهار وتتلون المدن بألوانها المشرقة، يطلق أكثر من 60 نوع من الأشجار والنباتات الأخرى حبوب اللقاح في نفس الوقت، مما يؤدي إلى رد فعل تحسسي يسمى “كافونشو” (花粉症) ويعني حمى القش. 

 

يُقال أن حمى القش بدأت بالظهور في عام 1979 ومع ذلك يبدو أنه تم الإبلاغ عنها عام 1960 وهناك وثائق يعود تاريخها إلى عام 1964 ذكرت بالفعل أن الحساسية الربيعية تسبب مشاكل للناس، ومن أشهر أعراضها العطس المستمر وحكة العين. فيرتدي الكثير من اليابانيين القناع ليحميهم من استنشاق حبوب اللقاح عبر الأنف. وهذا السبب يُعد من الأسباب الرئيسية لارتداء اليابانيين الأقنعة حيث يعاني نسبة عالية منهم من حمى القش.

 

 

 

٢. ارتداء القناع للوقاية من “الغبار الأصفر”

 

هناك فترات تهب فيها الرياح على اليابان من الصين وصحراء “غوبي” وصحراء “تكلامكان” في منغوليا والصين تحمل “الغبار الأصفر” أو “الغبار الآسيوي”. وتؤثر هذه العواصف الرملية أيضاً على دول أخرى تقع شرق الصين. المشكلة الكبرى مع هذه الرياح هي الملوثات التي تنتهي بالغبار المتطاير.

 

فإلى جانب الفيروسات والبكتيريا تحمل العاصفة كل ما تجده في الطريق من مبيدات الآفات والفطريات والكبريت وأول أكسيد الكربون والجسيمات البلاستيكية وحتى المعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص. وحتى وإن كانت هذه الظاهرة نادرة الحدوث، فإن ارتداء قناع الوجه سيحمي الناس من تهيج الحلق والعينين. 

 

 

 

٣. ارتداء القناع لتجنب نقل العدوى للآخرين ولتجنب العدوى منهم

 

في اليابان يُعتبر تصرف غير مهذب أن ينفث الشخص أنفه في الأماكن العامة بين الناس. وإذا كان الشخص مريض مثل الإصابة بالزكام أو الانفلونزا، فيفضل دائماً ارتداء القناع لتجنب نقل العدوى للآخرين حتى وإن كانت الطرقات غير مزدحمة. ولاسيما أن الكثير من اليابانيين يرتدون الأقنعة بمجرد الشعور بأنهم سيصابون بالبرد وذلك لمنع انتشار الجراثيم.

 

وفي نفس الوقت غالباً ما يرتدي اليابانيون القناع لحماية أنفسهم من العدوى من الآخرين وخاصةً في الأوقات التي تنتشر فيها الجراثيم والفيروسات، مثل أوقات تغير الفصول وفي الأجواء الباردة وعند ذهابهم في طرق مزدحمة.

 

 

 

٤. ارتداء القناع لتغطية الوجه عند عدم وضع مستحضرات التجميل

 

 كثير من اليابانيات يفضلن ارتداء الأقنعة خاصةً الحجم الكبير لإخفاء وجوههن جيداً. وذلك ببساطة لأنهن لا يضعن المكياج! هذه الطريقة تتبعها الكثير من اليابانيات عندما لا يرغبن في وضع المكياج، أو عندما لا يملكن الوقت لوضعه. فإظهار الأعين فقط لا بأس به بل يعطي منظراً جميلاً للوجه.

 

 

 

 ٥. ارتداء القناع كجزء من الموضة والتركيز على إبراز العيون

 

أصبح من الشائع في اليابان ارتداء الأقنعة لأنها تعطي شعور وكأنها زينة مكملة للملابس التي يرتديها الشخص، فيميل الكثير إلى اختيار أقنعة متنوعة تناسب ميولهم. فهناك الأسود والزهري والرمادي وغيرهم العديد، هذا إلى جانب وجود أنواع من أشكال الأقنعة كالسادة والمزخرفة، وحتى اللطيفة التي يكون عليها رسومات أو شعارات.

 

فنجد أيضاً أن اليابانيين يركزون على إظهار الأعين خاصةً الفتيات، وذلك من خلال وضع مكياج يبرز الأعين مع خيار وضع العدسات فتصبح العين أكبر وألطف، وعند ارتداء القناع يصبح الشكل جميل ولطيف. وهذا السبب في ارتداء القناع شائع جداً.

 

 

 

٦. الشعور بالثقة عند ارتداء القناع

 

لقد شاهدتُ برامج يابانية تسأل اليابانيين في الشوارع عن سبب ارتدائهم للأقنعة، وقد تفاجأت بوجود عدد منهم يرتدي القناع لإخفاء وجهه حتى يشعر بالثقة أكثر. وفي نفس الوقت يفضلون ارتدائه خاصةً في المناطق المزدحمة للحفاظ على الخصوصية، بمعنى لا يرغبون بإظهار وجوههم كثيراً عند الازدحام بين أشخاص لا يعرفونهم. ربما هذا أحد الأسباب بالنسبة للبعض وليس الجميع.

 

ولكن يبدو أنهم اعتادوا على ارتداء القناع دون التفكير في السبب بشكل رسمي، أتذكر أن أحدهم قال أنه على الرغم من هذه الأسباب إلا أنه اعتاد على ارتداء القناع حيث يجعله القناع يشعر بالارتياح وبالثقة.

 

 

 

٧. ارتداء القناع للوقاية من البرد وللشعور بالدفء

 

في فصل الخريف والشتاء يزداد عدد اليابانيين الذين يرتدون الأقنعة بشكل كبير للغاية، وغالبيتهم يكون هدفهم الرئيسي موحد وهو الوقاية من البرد والزكام. ولكن إلى جانب هذا الهدف الرئيسي، إلا أن الكثير من اليابانيين يحبون ارتداء القناع في الجو البارد وذلك لأنه يشعرهم بالدفء. حيث تنخفض درجات الحرارة لتحت الـ 10 درجة مئوية لتصل الصفر، فتغطية القناع لنصف الوجه يساعد على تدفئته.

 

وبالتأكيد إلى جانب التدفئة فهو يُعتبر زينة ويضفي لمسة مميزة لأسلوب لباس الشخص كما قلتُ سابقاً، فتراكم العديد من الأسباب أيضاً يشجع أكثر على ارتداء القناع.

 

 

من أين يمكن شراء الأقنعة في اليابان

يمكنكم شراء الأقنعة من أي مكان تقريباً، مثل الصيدليات ومحلات السوبر ماركت وسلسة المتاجر المشهورة مثل “سيفين-إيلفين” و”لاوسن” و”فاميلي مارت” وغيرهم الكثير. وتُباع الأقنعة في صناديق من 5 حتى 50 قطع أو أكثر. 

 

وعادةً الأقنعة الجراحية التي تُستعمل لمرة واحدة هي الأكثر شيوعاً بين الناس في اليابان. كما يمكن العثور على أقنعة قابلة لإعادة الاستعمال وقابلة للغسل مصنوعة من القماش وبأنماط جميلة. حيث أدى النقص الأولي في عدد الأقنعة مع بداية فيروس كورونا إلى زيادة انتشارها.

 

 

حيث أصبح في الآونة الأخيرة خياط الأقنعة يدوياً منتشرة في اليابان. وقد صممت العديد من المتاجر التي تبيع مواد النسيج التقليدية نماذج خاصة من الأقنعة المصنوعة من الأقمشة اليابانية الفاخرة، سواء المنسوجة يدوياً أو المعاد تدويرها مثل: القطن أو الكتان أو حتى الحرير مقابل حوالي 500 ين إلى 1500 ين تقريباً. وهذه إحدى الطرق للتوفيق بين المنفعة والجمال ودعم المتاجر الصغيرة التي تضررت بشدة من انخفاض السياحة بسبب أزمة كورونا.

 

كما صنعت ماركات الملابس والإكسسوارات الكبيرة أقنعة خاصة بها، مثل Uniqlo والتي أضافت أقنعة وجه خفيفة الوزن وقابلة للتنفس إلى مجموعة AIRism الصيفية في 19 يونيو 2020. فمع بدء الصيف الحار والرطب في اليابان زاد الطلب عليها فوراً.

 

 

الخلاصة:

كما رأينا ثقافة ارتداء الأقنعة في اليابان ترسخت جيداً منذ انتهاء فترة مييجي، وأصبح لها عدة أغراض وأهداف من الاستعمالات التي تختلف من شخص لآخر. في الواقع انتشار ثقافة كهذه تحد من انتقال الجراثيم والعدوى لهو أمر مدهش وجميل. فعند انتشار فيروس كورونا لم يتغير الكثير على اليابانيين سواء الحرص على غسل اليدين جيداً والحرص على التباعد، أما الأقنعة فهي ثقافة مترسخة ونجدهم ملتزمين بها.

 

وهذا عكس الكثير من الدول التي لم يتقبل ساكنها الأقنعة بشكل سريع ومازال الكثير من الناس يعانون منها ويسببون المشاكل لعدم ارتدائها. أعتقد أنه إن تقبل الناس ارتداء القناع بتفكير متفهم كما فعل اليابانيون لما استمر فيروس كورونا بالانتشار بهذه السرعة حتى الآن. أتمنى أن تعيد الناس التفكير في أن ارتداء الأقنعة ليس عيب أو شيء مُتعب بل هو شيء مفيد يحميكم ويحمي أحبائكم وأحباء غيركم من الإصابة بالأمراض. 

 

أتمنى أن هذه المقالة كانت مفيدة، وأدعو للجميع بالسلامة والصحة الجيدة. وأشكركم على القراءة.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط