ماذا يُقصد بالإمبراطور في اليابان؟ نُقدم لكم شرح عن تاريخ ودور الإمبراطور في اليابان!

0

لا يمكن سرد تاريخ اليابان بدون الإمبراطور. فقد استمرت العائلة الإمبراطورية دون انقطاع بمكانتها الخاصة في اليابان والتي كانت تعتبر بمكانة الآلهة بالنسبة للشعب الياباني على مدى التاريخ، ولكن عندما أعلنت اليابان استسلامها في الحرب العالمية الثانية فقد الإمبراطور تلك المكانة المقدسة، ومع ذلك بقي الإمبراطور كـ”رمز للوحدة الوطنية” في اليابان.

 

ولكن قد يتساءل الكثير منكم عن تاريخ الإمبراطور في اليابان وعن ماهية دوره، ولذلك في هذه المقالة سأقدم لكم شرح مفهوم عن إجابات هذه الأسئلة. 

 

إمبراطور اليابان

يعتبر إمبراطور اليابان منصب رئيس الدولة الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع قبل الميلاد. ويُرادف كلمة إمبراطور في اللغة اليابانية كلمة “تينّو” (天皇) وتعني حرفياً “سيادة السماء” بناءً على الاعتقاد السائد بأن أباطرة اليابان هم أحفاد آلهة الشمس “أماتيراسو” حيث يوجد قصص كثيرة في سجلات “كيكي” التاريخية تتحدث عن انحدار الأباطرة من سلالة الآلهة أماتيراسو. 

 

وتاريخياً كان الإمبراطور في اليابان ليس فقط إمبراطور الدولة بل هو قائد الدولة، وعميد العائلة الإمبراطورية اليابانية، كما أنه أعلى سلطة لديانة الشينتو. ويُعتبر الإمبراطور بحسب تعريف الدستور الياباني الحديث على أنه “رمز للدولة ولوحدة الشعب” ولا تتعدى سلطاته الدور الرمزي في نظام البرلماني المتبع في اليابان.

 

وحالياً يعتبر إمبراطور اليابان هو رمز الدولة الوحيد المتبقي في العالم الذي يحمل أعلى لقب ملكي “الإمبراطور”. حيث تذكر سجلات “نيهون شوكي” بأن الإمبراطور الأول هو “جينمو” الذي أسس إمبراطورية اليابان عام 660 قبل الميلاد. أما الإمبراطور الحالي هو الإمبراطور “ناروهيتو” والذي اعتلى العرش بعد تنازل والده الإمبراطور “أكيهيتو” في عام 2019. 

 

ولطالما سكن أباطرة اليابان القصر الإمبراطوري “كيوجو” في كيوتو العاصمة القديمة منذ القرن الثامن، وبعدها انتقلوا إلى العاصمة الحديثة طوكيو وسكنوا في قصر “كوكيو” الذي كان مقر قلعة “إيدو” السابقة في بداية فترة “مييجي”.

 

 

تاريخ وأصل الإمبراطورية في اليابان

أبناء السماوات

منذ القرن السابع الميلادي بدأ اعتبار الأباطرة من نسل الآلهات والأرواح وكذلك أبناء الجنة، كما هو الحال في النموذج الإمبراطوري الصيني. وبهذا كان للإمبراطور دور مزدوج كرئيس سياسي وديني للبلاد. وعند النظر في أول من تولى منصب الإمبراطور في اليابان كما ذُكر في الأساطير، فهو الإمبراطور جينمو 660 قبل الميلاد، الحفيد الخامس لأماتيراسو إلهة الشمس وفاتح “ياماتو” محافظة “نارا”.

 

 ومع ذلك فإن المرشح الأول للإمبراطور التاريخي الفعلي عادةً ما يتم اعتباره الإمبراطور “سوجين”، وعلى الرغم من أن تواريخ حكمه تختلف بشكل كبير من القرنين السابع والسادس قبل الميلاد. ولكن تبقى الشكوك حول صحة الأباطرة الأوائل كثيرة بسبب غياب الأدلة التي تدل على آثار حياتهم ووجودهم. 

 

وعادةً كان منصب الإمبراطور موروثاً من خلال سلالة الذكور، ولكن لا يوجد قانون عن ضرورة وراثة الابن الأكبر العرش. ومع ذلك هناك فترات شغلت فيها النساء منصب الإمبراطورية وعددهم كان ثمانية، أولهن الإمبراطورة “سويكو” التي امتدت فترة حكمها من عام (592-628 م) وآخرهن الإمبراطورة “غو-ساكوراماتشي” (1762-1770 م). 

 

 

ضريح “مييجي جينغو” مخصص لروح الإمبراطور مييجي وزوجته الإمبراطورة “شوكن”

 

زيادة قوة العشائر

كانت الأباطرة جنباً إلى جنب مع عائلات النخبة الأرستقراطية في اليابان في مزيج يُعرف باسم “كوجي” أي العائلات النبيلة، حيث كانوا يمارسون السلطة في فترة “نارا” (710-794 م) فقد كان أباطرة اليابان في تلك الفترة أقوياء، من المهم أن نتذكر أنهم لم يكونوا شخصيات سياسية فقط. ومع ذلك لقد قلت ممارستهم للسلطة بشكل بسيط في فترة “هييآن” (794-1185 م). 

 

ولكن عندما أصبحت اليابان دولة سياسية أكثر من مركزية، سقطت القوة السياسية والعسكرية الحقيقية في أيدي المستشارين الأقوياء للإمبراطور. ويبدأ أول مثال حقيقي على ذلك بعشيرة “فوجيوارا”، وهي عائلة من المستشارين الذين أتوا للسيطرة على الأعمال السياسية والعسكرية لليابان بدءاً من القرن التاسع. ولكن كان يتعين عليهم الحصول على إذن الإمبراطور للقيام بعمل ما يرغبون به وذلك بسبب سلطته الإلهية. 

 

وهذا جعل من المسؤولين والكبار في عشيرة فوجيوارا يفكرون بطرق كثيرة تساعدهم في التلاعب بالأباطرة من وراء الكواليس لتحقيق أهدافهم.

 

وبحلول القرن الثاني عشر عندما تم استبدال سلطة الأباطرة بالكامل بأمراء الحرب الأقوياء والشوغون كحكام ورؤساء فعليين للحكومة. وأصبح الشوغون القوة الجديدة في اليابان، حيث كانوا يطبقون قراراتهم بأنفسهم وخاضوا حملات عسكرية ضخمة باسم الإمبراطور، ورافقهم طبقة نخبة من المثقفين المحاربين الذين يُطلق عليهم الساموراي.

 

الصراعات

على الرغم من استمرار العشائر القوية مثل فوجيوارا في التحكم بالأباطرة، إلا أن الأباطرة لم يقفوا مكتوفي الأيدي بل كانت لهم طرقهم الخاصة في المقاومة، ومن أشهر الأمثلة على ذلك هو الإمبراطور “شيراكاوا” (1073 إلى 1087 م) الذي حاول تأكيد استقلاله بالتنازل عن العرش عام 1087م، وسمح لابنه “هوريكاوا” بالحكم تحت إشرافه.

 

وبهذا حكم شيراكاوا وراء الكواليس لأكثر من أربعة عقود. ومنذ ذلك الوقت، أنشأت الأباطرة أيضاً بيروقراطية السلطة الخاصة بهم على غرار تلك الموجودة في عشيرة فوجيوارا. حيث تعاملت سياستهم مع الحقوق الضريبية والأراضي المتعلقة بالعرش وسيطروا على حقوق الموظفين، بل إن بعض مسؤوليها عملوا في البيروقراطية الحكومية أيضاً.

 

ومع ذلك كان هناك الكثير من الحكام الشوغونية والساموراي الذين لم يعجبهم امتلاك الأباطرة للسلطة الأعلى. وابتداءً من القرن العاشر كانت طبقة الساموراي تكبر شيئاً فشيئاً وتزداد قوتها وهيمنتها وفي نفس الوقت بدأت سلطة العائلة الإمبراطورية بالتراجع تدريجياً. ونتج عن ذلك حدوث الكثير من التوتر والمشاكل في محاولة إسقاط بعض الحكام للعائلة الإمبراطورية.

 

ومن أمثلة ذلك حرب “جوكيو” عام 1221م التي خاضها الإمبراطور “غوتوبا” ضد “شوغونية كاماكورا”. وأيضاً حركة “كينمو” الإصلاحية في عام 1336م في ظل عهد الإمبراطور “غودايغو”، وتُعتبر هذه الأحداث من أشهر الأمثلة على الصراع على السلطة بين البلاط الإمبراطوري والحكومات العسكرية في اليابان.

 

 

استمرار الإمبراطورية في مكانها

وعلى الرغم من فقدان الإمبراطورية السلطة الفعلية في ذلك الوقت، فقد بقيت الإمبراطورية منصباً ثابتاً كاسم ومكانة عالية في اليابان. وخلال استعادة مييجي عام 1868م رجعت الإمبراطورية لمنصبها الفعلي والأعلى في اليابان، ووضعت حكومة مييجي الإمبراطور على أنه صاحب السيادة في دستور إمبراطورية اليابان. ولكن بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، حُرم دستور اليابان من السلطة السياسية ومن صفة الألوهية وأصبح الإمبراطور “رمزاً للوحدة الوطنية”.

 

الكنوز الثلاثة المقدسة في الأساطير اليابانية تدل على حقيقة نسل الأباطرة

تشير القصص في الأساطير اليابانية الموجودة في سجلات كيكي التاريخية، إلى وجود ثلاثة كنوز مقدسة وهم (مرآة وجوهرة وسيف). ووفقًا لأقدم نص في اليابان في سجلات “كوجيكي” (712 م) فإن هذه الكنوز تنتمي إلى الآلهة أماتيراسو، التي أعطت هذه الكنوز الثلاثة والثمينة لحفيدها “نينيجي”. وهو الجد الأول للعائلة الإمبراطورية، وذلك من أجل مساعدته على إرساء حكمه وسلطته في اليابان.

 

ولجميع هذه الكنوز قصص في كيفية الحصول عليها، فبالنسبة لتلك الجوهرة فهي تُدعى “ماجاتاما”، وهي العنصر الذي استعمله الإلهين أماتيراسو وشقيقها “سوسانو” في تعهدهم والذي انتهى بالشجار بينهم. أما المرآة فهي التي صنعتها الآلهة لإغراء أماتيراسو حتى تخرج من الكهف الذي اختبأت فيه بعد الشجار فاختفت الشمس عن العالم.

 

أما السيف يُدعى “كوساناغي” هو السيف العظيم الذي أخرجه سوسانو من ذيل الوحش ثم أعطاه لشقيقته أماتيراسو من أجل مصالحتها. 

 

وقد توارث الأباطرة هذه الكنوز الثلاث المقدسة حتى يومنا هذا. ويُقال عادة أن السيف يقع في ضريح “أتسوتا جينغو” في مدينة “ناغويا”، وتقع الجوهرة في حرم القصر الثلاثي في قصر طوكيو الإمبراطوري وتقع المرآة في ضريح “إيسه” في محافظة “ميه”.

 

دور الإمبراطور وصلاحياته

الإمبراطور هو رمز الدولة وينطوي عليه واجبات مثل تحية الشخصيات الأجنبية وإقامة المراسم الاحتفالية الهامة وحضور المناسبات الثقافية والعامة. وخلافاً للعديد من الملوك الدستوريين، الإمبراطور ليس القائد التنفيذي الاسمي للبلاد ولا يتمتع بسلطات سياسية.

 

كما أن الإمبراطور يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشنتوية، الديانة التقليدية لليابان والتي تركز بشكل كبير على الطقوس. ولذلك يتوقع دائماً من الإمبراطور أن يؤدي الاحتفالات والطقوس الدينية المهمة.

 

وتحدد المادة الرابعة من الدستور أن الإمبراطور (ينبغي عليه تأدية هذه المراسم المنصوص عليها في الدستور وليس له صلاحيات تتعلق بالحكومة). ويقضي الدستور كذلك (بأن مشورة وموافقة الحكومة إلزامية بحق جميع أعمال الإمبراطور المتعلقة بشؤون الدولة).

 

ورغم أن الإمبراطور هو من يعين رئيس الوزراء في منصبه اسمياً، إلا أن المادة السادسة من الدستور تلزمه بتعيين المرشح (الذي يسمّيه البرلمان الياباني)، دون إعطاء الإمبراطور حق رفض التعيين.

 

وتخول المادة السادسة من الدستور الإمبراطور بالأدوار الفخرية التالية:

  • تعيين رئيس الوزراء الذي يسميه البرلمان الياباني.
  • تعيين رئيس قضاة المحكمة الإدارية العليا الذي تسميه الحكومة.

 

بينما تفصل المادة السابعة من الدستور المسؤوليات الأخرى التي يضطلع بها الإمبراطور، حيث جاء فيها: (يتولى الإمبراطور، بناء على مشورة وموافقة الحكومة، القيام بالأفعال التالية فيما يتعلق بشؤون الدولة وبالنيابة عن الشعب):

 

  • إصدار التعديلات على الدستور، والقوانين، والمراسيم الحكومية، والمعاهدات.
  • الدعوة إلى عقد البرلمان.
  • حلّ مجلس النواب.
  • الإعلان عن الانتخابات العامة لأعضاء البرلمان.
  • إقرار تعيين وإقالة وزراء الدولة وغيرهم من المسؤولين بموجب القانون، والتفويض المطلق واعتماد السفراء والوزراء.
  • إقرار العفو العام والخاص، وتخفيف العقوبة، وإرجاء تنفيذ العقوبات، واسترداد الحقوق.
  • منح التكريمات.
  • إقرار صكوك التصديق وغيرها من الوثائق الدبلوماسية كما هو منصوص عليه قانوناً.
  • استقبال السفراء والوزراء الأجانب.
  • تأدية المراسم التشريفية.

 

رمزية الإمبراطور

بموجب دستور مييجي، كان على الأباطرة أن يمارسوا السلطة السيادية الإمبراطورية. ولكن على الرغم من أنه لم تُعد هذه الممارسة مطلوبة إلا أن الأباطرة في فترة ما بعد الحرب استمروا في تأدية هذا الدور في مناسبات رسمية مختلفة. وهو دور يتطلب من الإمبراطور القيام بمهام شاقة، حيث يتضمن أكثر من مجرد طقوس دينية تتم تأديتها في حرم القصر.

 

ومع ذلك في العصر الحديث كان الشعب يتوقع من الأباطرة القيام بأعمال أكثر من الأدوار الاحتفالية والدينية. فقام بعض الأباطرة بالعديد من الجولات الرسمية على نطاق واسع. وفي السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، أصبح “الإمبراطور شووا هيروهيتو” أول إمبراطور يتفاعل مع المواطنين العاديين. كما قام “الإمبراطور هيسي أكيهيتو” بعدة رحلات إلى المناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية وساحات معارك الحرب العالمية الثانية.

 

والدستور الحالي ينص على اعتبار الإمبراطور رمزاً للدولة ووحدة الشعب كما قلتُ سابقاً. ولكن لم يحدد الدستور بدقة المقصود بكلمة “الرمز”.

 

فنرى أن الأباطرة يبذلون جهداً في تحقيق معنى رمز الدولة بطريقة تقنعهم وترضي الشعب، فعلى سبيل المثال، نرى في الأخبار أن الإمبراطور بصحبة الإمبراطورة هم من أوائل من يقومون بالزيارات للمناطق المنكوبة، وغالباً تكون الزيارات مبكرة أي في ظل عدم استقرار المنطقة فوراً بعد الكارثة.

 

 

الإمبراطور الحالي وحياة العائلة الإمبراطورية

يُعد “ناروهيتو” امبراطور اليابان الحالي. وقد اعتلى عرش الأقحوان في 1 مايو 2019 بعد تنازل والده أكيهيتو عن العرش في 30 أبريل 2019.  وهو رسمياً يُعد العضو الـ 126 في أقدم سلالة حاكمة في العالم. وهو أول إمبراطور ياباني يولد بعد الحرب العالمية الثانية.

 

أما بالنسبة لقوانين العائلة الإمبراطورية الداخلية، فأشهرها هو أنه لا يجوز لأفراد العائلة الإمبراطورية اختيار وظائفهم بحرية، ولا يجوز توظيفهم إلا في منظمات غير ربحية تعمل من أجل الصالح العام، ويلزم إذن الإمبراطور لذلك. ولا يمكنهم أيضاً التصويت أو الترشح للانتخابات، ويجب أن يعطوا الأولوية لواجباتهم الرسمية.

 

كما أن الممتلكات الإمبراطورية هي ملك الدولة، ويجب على الرجال في العائلة الإمبراطورية الذين يرغبون بالزواج الحصول أولاً على موافقة مجلس القصر الإمبراطوري. إما الأعضاء الإناث فلهن حرية اختيار شركائهن، ولكن في حالة اختيار شريك من الناس العامة فهن يفقدن وضعهن الإمبراطوري في حالة الزواج منهم.

 

ويقال أن الإمبراطورة “ميتشيكو” زوجة الأمبراطور السابق “أكيهيتو”، كانت أول شخص من العامة يدخل العائلة الإمبراطورية. كما أنها أصبحت أول عضو في العائلة تقوم بتجهيز مطبخ في منزلها وإعداد وجبات الطعام لزوجها ولأطفالها، حيث وفرت لهم حياة طبيعية كعامة الناس وقد أثار ذلك اهتمام الجميع.

 

الخلاصة:

في هذه المقالة تعرفنا على تاريخ الأباطرة وكيفية استمرارهم منذ قبل الميلاد حتى يومنا هذا في مكانتهم العالية. ودرسنا معاً المصاعب التي واجهتها العائلة الإمبراطورية من قبل الحكام والشوغون، وتعمقنا جيداً في الأدوار التي يقوم بها الإمبراطور في عصرنا الحالي.

 

فعلى الرغم من عدم تدخل الإمبراطور في الأمور السياسية والشؤون الداخلية إلا أنه مازال يحظى بمكانته العالية والعريقة، والتي تحظى باحترام وتقدير من قبل بعض الشعوب. وأشكركم على القراءة حتى النهاية!

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط